يمثل القانون العام والخاص حجر الأساس في تنظيم حياة المجتمعات، سواء على صعيد العلاقات الفردية أو الإطار العام الذي تنظم فيه الدولة شؤونها الداخلية والخارجية، وينقسم القانون في بنيته النظرية والتطبيقية إلى قسمين، وهذا التصنيف ليس مجرد تقسيم شكلي، بل هو تعبير عن طبيعة العلاقات القانونية التي تحكم الأفراد من جهة، والدولة ومؤسساتها من جهة أخرى، وفي هذا المقال المقدم من موقع ميدان العدالة سنسلط الضوء على القانون العام والخاص من حيث المفهوم، والخصائص، والاختلافات، والتطبيقات العملية، مع مراعاة النظام السعودية، والاحتياجات المهنية للباحثين القانونيين والمحامين.
المفهوم الأساسي للقانون العام والخاص

لفهم تصنيف القانون، يجب أولًا الوقوف على المفهوم العام له، ثم التمييز بين نوعيه الأساسيين:
- يشير مفهوم القانون العام والخاص إلى الانقسام الثنائي في النظام القانوني، حيث يختص القانون العام بتنظيم العلاقات التي تكون الدولة أحد أطرافها، وتمارس فيها سلطتها كسلطة عامة، في حين يتناول القانون الخاص العلاقات بين الأفراد أو بين الأفراد والكيانات الخاصة على أساس المساواة.
- القانون العام يشمل فروعًا مثل القانون الدستوري، القانون الإداري، والقانون الجنائي، بينما يتضمن القانون الخاص فروعًا كالقانون المدني، وقانون الأحوال الشخصية، والقانون التجاري، وهذه الثنائية تعكس التوازن بين المصلحة العامة وحرية الأفراد، وتُعد ضرورية لفهم بنية النظام القانوني الحديث.
اقرأ أيضًا: الشكل القانوني للخدمات اللوجستية
التطور التاريخي لتقسيم القانون
يرتبط ظهور مفهوم القانون الخاص والعام بالتطورات التي مرت بها النظم القانونية منذ العصور الرومانية حتى الوقت الراهن.
في القانون الروماني، كان هناك تمييز واضح بين ius publicum و ius privatum، حيث خُصص الأول لما يتعلق بالدولة ومصالحها، والثاني لما يرتبط بمصالح الأفراد، ثم تطور هذا المفهوم في النظم القانونية الأوروبية، ووجد طريقه إلى الشريعة الإسلامية من خلال تمييزها بين الحقوق العامة والحقوق الخاصة، رغم اختلاف المنهج.
وفي المملكة العربية السعودية، ومع تطور النظام القضائي والقانوني الحديث، أصبح من الضروري تطبيق هذا التصنيف لتحديد الاختصاصات القضائية وتوضيح الأطر القانونية التي تحكم العلاقات المختلفة، لا سيما مع التوسع في المجالات الإدارية والاقتصادية.
معايير التمييز بين القانون العام والخاص
رغم أن الفرق بين القانون العام والخاص قد يبدو بديهيًا، إلا أن هناك معايير دقيقة تُستخدم في الفقه والقضاء لتمييزهما، وتتضح هذه المعايير فيما يلي:
- معيار طبيعة الأطراف: إذا كانت الدولة طرفًا وتمارس سلطة عامة، فنحن أمام قانون عام، وإذا كانت العلاقة بين أطراف متساوية في المركز القانوني، فإنها تخضع للقانون الخاص.
- معيار المصلحة المحمية: يهدف القانون العام إلى حماية المصلحة العامة، بينما يُعنى القانون الخاص بحماية مصالح الأفراد.
- معيار الإذعان أو الإرادة: في القانون العام، تكون القواعد آمرة ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها، أما القانون الخاص فيسمح في كثير من الأحوال للأطراف بتعديل القواعد القانونية باتفاقهم.
- معيار التنظيم القضائي: عادة ما تُعرض منازعات القانون العام على جهات قضائية إدارية، بينما تُعرض منازعات القانون الخاص على المحاكم المدنية أو التجارية.
مجالات القانون العام
يتفرع القانون العام إلى عدة مجالات تُعنى بتنظيم شؤون الدولة وسلطاتها، وتُحدد العلاقة بينها وبين الأفراد في إطار السلطة العامة في النظام السعودي، ويتجلى تطبيق القانون العام في مجموعة من الأنظمة مثل نظام الخدمة المدنية، ونظام الجرائم والعقوبات، والأنظمة المتعلقة بالشؤون البلدية والمالية، وتتضح مجالات القانون العام فيما يلي:
- القانون الدستوري: ينظم العلاقة بين السلطات الثلاث في الدولة (التنفيذية، التشريعية، القضائية)، ويضع الأسس العامة لنظام الحكم والحقوق والواجبات.
- القانون الإداري: يُنظّم نشاط الإدارة العامة، من حيث القرارات الإدارية، والعقود الإدارية، والوظيفة العامة، ويُعتبر جوهريًا في فهم العلاقة بين المواطن والإدارة.
- القانون الجنائي: يحدد الأفعال التي تُعد جرائم والعقوبات المقررة لها، ويهدف إلى حماية المجتمع من الجرائم وردع الجناة.
- القانون المالي: يُعنى بالأنظمة المتعلقة بالميزانية العامة، والضرائب، والمصروفات والإيرادات العامة، وهو أداة لتنظيم السياسة المالية للدولة.
اقرأ أيضًا: التقنية القانونية
مجالات القانون الخاص

يتسم القانون الخاص بتركيزه على العلاقات بين الأفراد، ويمنح الأطراف حرية نسبية في تنظيم علاقتهم، مما يعكس خصوصية هذه العلاقات، وقد أولى المشرع السعودي اهتمامًا كبيرًا بتحديث هذه الفروع بما يتفق مع تطلعات رؤية 2030، فشهدنا صدور أنظمة جديدة مثل نظام الأحوال الشخصية ونظام الشركات الجديد، وتتمثل مجالات القانون الخاص فيما يلي:
- القانون المدني: يشمل العقود، والالتزامات، والملكية، والحقوق العينية، ويُعد العمود الفقري للقانون الخاص.
- قانون الأحوال الشخصية: ينظم العلاقات الأسرية، كالزواج، والطلاق، والحضانة، والميراث، بما يتفق مع الشريعة الإسلامية.
- القانون التجاري: يتناول الأعمال التجارية، والشركات، والأوراق التجارية، والإفلاس، وينظم العلاقة بين التجار والمؤسسات.
- القانون العمالي: يُنظّم علاقة العمل بين العامل وصاحب العمل، وحقوق والتزامات كل طرف.
أهمية فهم القانون العام والخاص في الممارسة القانونية
يُعد إدراك الفرق بين القانون العام والخاص أداة عملية حاسمة لكل محامٍ أو باحث قانوني، خاصة في النظام القضائي السعودي، فإن تحديد نوع العلاقة القانونية يساعد على:
- تحديد الجهة القضائية المختصة: حيث تُعرض المنازعات الإدارية أمام ديوان المظالم، بينما تُعرض المنازعات المدنية والتجارية أمام المحاكم العامة والمتخصصة.
- اختيار القواعد القانونية الواجبة التطبيق: فكل فرع له قواعده المميزة ومبادئه الخاصة.
- فهم حدود السلطة والحقوق: إذ تختلف الحقوق والواجبات تبعًا لنوع العلاقة القانونية وما إذا كانت خاضعة لقانون عام أو خاص.
- التخصص القانوني: يساعد التصنيف على توجيه المحامين والباحثين نحو التخصص في أحد المجالين أو فروعهما، مما يُعزز من الكفاءة المهنية.
التداخل بين القانون العام والخاص
رغم التمييز بين القانون الخاص والعام، إلا أن الواقع العملي يكشف عن وجود تداخل بينهما في العديد من المجالات، وهذا التداخل يُظهر أهمية فهم البنية المزدوجة للنظام القانوني، وعدم الفصل الحاد بين الفرعين.
- العقود الإدارية: هي عقود تخضع في بنيتها لأحكام القانون الخاص من حيث التفاوض والإرادة، لكنها تخضع للقانون العام من حيث جهة التعاقد (الإدارة) وامتيازاتها.
- الشركات العامة: بعض الشركات المملوكة للدولة قد تُدار وفق قواعد القانون الخاص، لكنها تخضع في الجوانب المتعلقة بالرقابة والتمويل لقواعد القانون العام.
- المسؤولية الإدارية: أحيانًا تكون شبيهة بالمسؤولية التقصيرية في القانون المدني، لكنها تختلف من حيث الطبيعة القانونية.
العلاقة بين الشريعة الإسلامية والقانون الخاص والعام
يشكل الفقه الإسلامي المصدر الأساسي للتشريع في المملكة العربية السعودية، ولذلك يجب فهم القانون الخاص والعام في ضوء مبادئ الشريعة، هذا التفاعل بين الفقه والقانون يضفي طابعًا مميزًا على النظام القانوني السعودي ويجعله متفردًا في بنائه ومنهجه.
- في القانون الخاص: تستند الأحكام إلى قواعد فقهية راسخة تتعلق بالعقود، والمعاملات، والأسرة، والمواريث.
- في القانون العام: تُستنبط الأحكام من مقاصد الشريعة ومبدأ المصلحة المرسلة، وتُراعى المبادئ العامة في السياسة الشرعية.
أثر رؤية 2023 على تطور القانون الخاص والعام
أسهمت رؤية المملكة 2030 في دفع عجلة الإصلاح القانوني، مما انعكس على تطور القانون الخاص والعام في مجالات متعددة، ويتضح ذلك فيما يلي:
- صدور أنظمة جديدة تُعزز من وضوح التشريعات القانونية وتنظيم القطاعات المختلفة.
- تحسين بيئة الأعمال عبر تطوير أنظمة الشركات، وحماية المستثمر، وتعزيز الثقة في القضاء التجاري.
- تحديث الإجراءات الإدارية ورفع كفاءة العمل الحكومي من خلال أتمتة الإجراءات وتحسين الشفافية.
- تعزيز الحماية الاجتماعية والقانونية من خلال قوانين متطورة تنظم الأحوال الشخصية، والعمل، والخدمات العامة.
اقرأ أيضًا: افضل محامي ضرائب في جدة
الأسئلة الشائعة
ما الفرق الجوهري بين القانون العام والخاص؟
الفرق يكمن في طبيعة العلاقة؛ فالقانون العام يحكم علاقات الدولة بصفتها سلطة، بينما يحكم القانون الخاص علاقات الأفراد على أساس المساواة.
هل يمكن أن تخضع نفس العلاقة القانونية لأحكام القانون العام والخاص؟
نعم، في بعض الحالات كالعقود الإدارية أو الشركات الحكومية، حيث نجد تداخلًا بين الأحكام والقواعد.
ما أهمية التمييز بين القانون العام والخاص للمحامي السعودي؟
يساعد التمييز على تحديد جهة الاختصاص، نوع الدعوى، والقواعد الإجرائية، والتخصص القانوني، مما يُعزز من كفاءة الأداء المهني.
تُعد العلاقة بين القانون العام والخاص من الركائز الجوهرية التي تقوم عليها البنية القانونية في المملكة العربية السعودية، إذ يُسهم هذا التمييز في توزيع الاختصاصات وتحقيق التوازن بين مصالح الدولة ومصالح الأفراد، فالقانون العام يحمي النظام العام ويضمن حسن سير المرافق العامة، في حين أن القانون الخاص يكفل الحماية للعلاقات المدنية والتجارية بين الأفراد، وفهم هذا التقسيم يسهم في تعزيز كفاءة الممارسة القانونية وصياغة الأحكام واللوائح، ولهذا فإن على المحامين والباحثين القانونيين أن يدركوا عمق هذا التصنيف، ويستثمروه في تطوير ممارساتهم القانونية بما يخدم العدالة ويعزز ثقة المجتمع في النظام القضائي.
لا تعليق